خسر الدنيا والآخرة

عقد "الأعشى" عزمه، واستعد للدهاب الى المدينة ليعلن اسلامه بين يدي النبي الكريم. وكان قبلها قد قال أشعارا يمدح بها النبي قبل أن يراه (وكان الأعشى أعمى).
وسمعت قريش بما يعتزمه، فقال قائلهم:
- والله ما مدح الأعشى أحدا قط الا رفع شأنه، ولو دهب الى محمد لأضرم علينا نيران العرب بأشعاره، ولدخلوا في دينهم فرادى وجماعات. فخرجوا يترصدونه، وراقبوا كل الطرق المؤدية الى يثرب، فتقدم منه سفيان - كبير مفاوضي قريش - وقال له:
- الى أين يا أعشى؟
وكان الأعشى يعرف أن قريشا تقدر على منع عبيدها وامانها من الدهاب الى محمد، ولكنها لا تقدر على منع شاعر مثله، أعمى، ولكن كلماته أمضى من حد السيف.
فقال:
- أردت الدهاب الى صاحبكم محمد، لأعلن اسلامي علي يديه.
فقال له أبو سفيان:
- بئس الرلأي ما أردت يا أبى بصير! ألى تعلم أنه ينهى عن كل الأشياء التي تحبها؟
فقال الأعشى: أشياء مثل مادا؟
فقال أبو سفيان: الزنى مثلا..
فقال الأعشى: لقد تركني الزنى وما تركته. ثم مادا؟
فقال أبو سفيان: الميسر.
فقال الأعشى: سوف أمدحه بقصائد لم يقل مثلها أخد من الشعراء، ولعلي أصيب منه عوضا من الميسر أموالا كثيرة، فغزواته كثيرة، وغنائمه أثكثر! ثم مادا؟
فقال أبو سفيان: الربا..
فقال الأعشى: ما أقرضت أحدا من قبل.. ولا أقترض من أحد. ثم مادا؟
فقال أبو سفيان: الخمر
فقال الأعشى: لم يبق معي منها الا زق صغير من نقيع التمر .. ولسوف أنتهي منه في الطريق.
ولم يعد هناك ما يقال، فنظر القريشيون الى بعضهم البعض، ثم نظروا الى أبو سفيان، وقد أخد يقلب الأمر وجها لظهر، ثم قال:
- سوف نعطيك أكثر مما تطمع فيه، وخير مما ترجوه نحن الآن في هدنة مع محمد مدتها سنة، سنعطيك مئة من الابل، على أن تعود ولا تدهب اليه، وتنتظر ما يصير اليه أمره وأمرنا بعد هده السنة، فان انتصرنا عليه، فزت بما نلت منا، وادا انتصر علينا، فأنت وشغلك معه، ادهب اليه وقل له ما شئت من أشعار.
فأعمل الأعشى فكره، وقلب الأمر من وجهيه، ثم قال:
- قد قبلت.
فجمعت له قريش مائة ناقة، وتأكد هو عن طريق اللمس أنها نوق سليمة بعافية، وليست نوق جرباء، وجرها خلفه ومضى، وفي الطريق عثرت الناقة التي يركبها، فسقط من فوقها ومات، وشردت النوق في الصحراء.

0 التعليقات:

إرسال تعليق